تعريف علم الفهرسة:
وإذن فعلم الفهرسة علم تجمع فيه أسماء الكتب أو العلوم أو المؤلفين، كما أنه من ناحية أخرى يقوم بحصر المعلومات والمواضيع والمسائل بصور شتى، وترتيبها ترتيباً خاصاً حتى يتمكن المرء من الوصول إليها عند اتباع المنهج الخاص بالفهرس.
الفهرسة الإسلامية.. ونوعاها:
وقد عرف المسلمون منذ القديم علم الفهرسة، وكان لهم فيه باع طويل، سواء ما كان يتعلق منه بفهرسة المكتبة الإسلامية عموماً لما فيها من علوم عديدة تحتاج إلى مرشد إليها وإلى مؤلفيها، أو ما كان يتعلق منه بفهرسة موضوعات خاصة وعلوم معينة مما تشتد الحاجة إلى معرفة تفاصليها والوقوف على مسائلها أو مفرداتها.
أ ـ فهرسة العلوم والمكتبة الإسلامية ككل:
أما من ناحية فهرسة العلوم والمكتبة الإسلامية ككل فالمكتبة العربية عرفت أنواعاً من كتب الفهارس .
يقول الدكتور سعد زغلول عبد الحميد في بحثه عن (علوم العرب القديمة) المنشور في مجلة عالم الفكر: أولها: ذلك النوع الذي اعتنى بتصنيف العلوم. والذي اشتغل به الفلاسفة.
وثانيها: يمكن أن تمثله كتب طبقات العلماء من الأطباء والفقهاء والأدباء والصوفية وغيرهم.
ويأتي في المقام الثالث: الموسوعات التاريخية الكبرى مثل نهاية الأرب في فنون العرب للنويري ومسالك الأبصار للعَمرْي، وكذلك صبح الأعشى للقلقشندي، وهي تحتوي مقدمات مختلف علوم العرب وذكر الكتب المؤلفة فيها.
أما فهرست المكتبة الذي نرى أنه أقدم النماذج التي وصلت إلينا لكتاب بروكلمان في تاريخ الأدب العربي ـ يتابع الدكتور عبد الحميد ـ فهو كتاب الفهرست لابن النديم الذي كتب في أواخر القرن الرابع الهجري.
ومنذ ابن النديم لم تعرف المكتبة العربية مثالاً لكتاب الفهرسة إلا بعد حوالي ستة قرون عندما صنف أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده كتابه المعروف بـ (مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوع العلوم)، وبعد ذلك يأتي كتاب حاجي خليفة وهو (كشف الظنون عن أساسي الكتب والفنون).
فهرست ابن النديم:
وإذا أردنا أن نتفحص أهم كتب فهرسة العلوم الإسلامية وهو الفهرست لابن النديم، نجد أنه ينقسم إلى عشر مقالات كل مقالة تمثل باباً مستقلاً. وكل مقالة مقسمة إلى عدد من الفنون، والفنون في المقالة كالفصول في الباب، وعدد الفنون في كل مقالة يتراوح ما بين فنيين وثمانية فنون.
فالمقالة الأولى: في اللغة والكتابة وكتب الشرائع السابقة والقرآن وعلومه.
والمقالة الثانية: في النحو والنحويين من بصريين وكوفيين وبغداديين.
والمقالة الثالثة: في التاريخ وأخبار الدولة وأخبار المجتمع.
والمقالة الرابعة: في الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلامي.
والمقالة الخامسة: في الكلام والمتكلمين والتصوف.
والمقالة السادسة: في الفقه ومدارسه.
والمقالة السابعة: في الفلسفة والعلوم الرياضية والطب.
والمقالة الثامنة: في الأسمار والشعوذة والكتب التي لا يعلم مؤلفوها.
وابن النديم في كل فن من الفنون يستعرض أهم الكتب والمؤلفات، ويذكر مؤلفيها، وما يتعلق بذلك الفن باستفاضة وتقصٍّ، فهو يمدنا بمعلومات أصيلة عن مصادر الفكر الإسلامي حتى أواخر القرن الرابع الهجري حيث كانت قمة الازدهار العلمي.
ب ـ فهرسة الفن الواحد أو العلم الواحد:
هذا جانب من جوانب علم الفهرسة وهو الجانب المتعلق بالعلوم والمؤلفين.
أما الجانب الآخر من علم الفهرسة، فهو الجانب الأكثر رواجاً واشتهارا بين العلماء قديماً وحديثاً.
ـ فهرسة القرآن الكريم:
لقد تناول علم الفهرسة القرآن الكريم من جوانب عدة.
فمن فهرسة الكلمات ليستطيع المسلم معرفة الآية بمجرد معرفة كلمة من كلماتها، إلى فهرست الموضوعات التي تتناول الآيات كلاً على حدة إلى غير ذلك من المسالك.
ومن أجود الكتب التي فهرست القرآن الكريم كلمة كلمة وأرشدت إلى موطن كل لفظة ورقم آياتها ورقم سورتها كتاب (المعجم لألفاظ القرآن الكريم) للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، ومثلُ كتابه كتاب ( نجوم الفرقان في أطراف القرآن) وكتاب (مرشد الحيران إلى آيات القرآن).
ومن الكتب التي فهرست للمواضيع القرآنية (كتاب زاد المؤلفين من كتاب رب العالمين) لعبد الله محمد الدرويش.
ـ فهرسة الحديث الشريف:
وتناول علم الفهرسة أيضاً بشكل موسع مستفيض حديث رسول الله .
وقد كتب الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي كتاباً لطيفاً حول علم فهرسة الحديث، جمع فيه فهارس الحديث النبوي بأنواعها، بعد أن قسمها إلى قسمين:
الأول: في فهارس المصادر الأصلية، أي ما كتب من كتب الحديث قبل القرن الخامس الهجري.
والثاني: ما كان بعد ذلك.
وقد ذكر في الأول مئه وخمسة كتب كلها فهارس للمصادر الأصلية.
وفي الثاني ذكر واحداً وأربعين فهرساً آخر، كما جمع المرعشلي فهارس أحاديث كتب التفسير وعلوم القرآن، وفهارس أحاديث كتب التوحيد والعقيدة، وفهارس أحاديث كتب الفقه وأصوله وفهارس أحاديث كتب السير والتاريخ والتراجم، وفهارس أحاديث الزهد والتصوف، وفهارس أحاديث كتب اللغة والأدب. ومما لاشك فيه أن أحاديث رسول الله لا يكاد يخلو كتاب منها أيا كان موضوعه الأساس.
ـ طرق فهرسة الحديث الشريف:
وطرق فهرسة الحديث عموماً لا تخرج عن أربعة طرق:
إما فهرسة الأطراف أو المسانيد، أي أن تجمع أحاديث كل صحابي تحت اسمه، ويذكر من الحديث طرفه الأول، ثم ترتب أسماء الصحابة على حروف المعجم، ومن هذه الطريقة كتاب (ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث) للشيخ عبد الغني النابلسي و(تحفة الاشراف بمعرفة الأطراف) للمزي.
وإما فهرسة أوائل الأحاديث، وهو أن ترتب الأحاديث على حروف المعجم حسب أوائلها، ومنها كتاب (الجامع الكبير)، و(الجامع الصغير) للسيوطي.
وإما فهرسة المواضيع، وهي أن تجمع الأحاديث المتناثرة في كتاب أو كتب فيعاد ترتيبها على الموضوعات. ومن هذه الطريقة كتاب (الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني) للشيخ البنا و(جامع الأصول) لابن الأثير.
وإما فهرسة كلمات الحديث وهي أن تفهرس الكلمات بعد ردها إلى أصولها اللغوية على حروف المعجم، وقد ابتكر هذه الطريقة العالم المسلم الشيخ مصطفى بن علي البيومي المصري،وفهرس لأهم كتب السنة المشهورة وتبعه على ذلك المستشرقون فوضعوا (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) بمساعدة الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.
ولئن كنا أطلنا في حديثنا عن فهرسة علم الحديث فما ذلك إلا لأهميته من وجوه عدة يعلمها كل من اشتغل بهذا العلم الهام والواسع وكابد مشاقه. إلا أننا لن نغفل عن ذكر علوم أخرى تناولها علم الفهرسة أيضاً.
ج ـ فهرسة الفقه الإسلامي:
فلقد تناول علم الفهرسة الفقه وأصوله أيضاً. إذ لن يكون من الميسور أبداً الإحاطة بالكتب الضخمة والمراجع الواسعة في الفقه الإسلامي لكل مشتغل أو باحث فكان علاج ذلك بالفهرسة التفصيلية لمسائل الفقه ومصطلحاته.
وقد كان لوزارة الأوقاف في الكويت دور رائد ومهم في هذا المجال، يذكر لها وتشكر عليه، فقامت من خلال خبرائها وباحثيها في الموسوعة الفقهية وأئمة مساجدها بفهرسة (كتاب المغني) في الفقه الحنبلي، وفهرسة (حاشية ابن عابدين) في الفقه الحنفي، وفهرسة (حاشيتي قليوبي وعميرة) على (شرح المنهاج) في الفقه الشافعي وفهرسة (شرح الزرقاني في) الفقه المالكي وفهرسة غيرها من الكتب الأساسية في الفقه، كما اهتمت بفهرسة كتب الأصول ككتاب (جمع الجوامع) و(مسلم الثبوت). ولها في فهرسة أمهات الفقه والأصول خطة طويلة نفيسة.
د ـ فهرسة التاريخ وغيره:
وقد تناول علم الفهرسة أيضاً كتب التاريخ، ومثال ذلك فهرس البداية والنهاية، وكتب الأدب أيضاً كفهرس العقد الفريد لابن عبد ربه، وكتب التراجم كفهرس حلية الأولياء وغير ذلك، حتى إنك لا تكاد تجد مرجعاً من المراجع العلمية مما تناوله المحققون أو اهتم به أهل العلم إلا وألحق به فهرس تفصيلي يسّهل التعامل معه.
ملاحظة أخيرة...
وقد ظهرت أهمية هذا العلم في هذا الزمان أكثر مما كانت الحاجة تشد إليه في الماضي لأسباب عديدة.
منها ضعف الاعتماد على الذاكرة والحفظ ، وهو ما كان من دأب العلماء وطلبة العلم في الماضي.
ومنها فتور الهمم عن التبحر في شتى العلوم حتى أصبح العالم يختص بأقسام من العلم الواحد لا يتعداه،
ومنها ما توصل إليه البشر من اختراع جهاز الكمبيوتر (الحاسوب) وما فيه من ذاكرة جامعة منظمة منسقة، تستطيع احتواء آلاف المعلومات والأسماء والكتب والمسائل لتقوم بإظهارها وعرضها على لوحتها ساعة يطلب المتعامل معها ذلك.
إنه لا يسعنا أبدا أن نغفل الإشارة إلى دور أجهزة الحاسب الآلي الحديثة في تيسير الفهرسة وتسهيل وصول الباحث إلى أي موضوع ، فورا، سواء كان عن طريق البحث النصي أم البحث اللغوي أم البحث الموضوعي ، وقد وفر الحاسب الآلي (الكمبيوتر)في هذا المجال كثيرا من الجهد والعناء.
ونتيجة الجهود التقنية المتقدمة في ذلك أصبح ممكنا جمع الكثير من المراجع العلمية في موضوع واحد ، أومواضيع شتى ، في برنامج واحد ثم إخضاعه للفهرسة بكل الوانها وأنواعها .